فصل: مسؤولية الداعي إلى الله:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موسوعة الفقه الإسلامي



.عدة الداعي إلى الله:

أساس الدين أمران:
كمال اليقين على الحق.. وكمال الرحمة للخلق.
فقوة اليقين على الحق سبحانه تمنع عن الداعي شر المخلوقات.
وقوة رحمته للخلق تمنعه أن يضر المخلوقات.
فَنَسْلم من شر الناس كلهم بقوة اليقين، ويَسْلم أهل الشر من الداعي بقوة الرحمة لهم، وبذلك تحصل الهداية والخير، وتجتمع القلوب على الدين.
1- قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا [3]} [الطلاق: 3].
2- وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [67]} [المائدة: 67].
3- وقال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [107]} [الأنبياء: 107].
4- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِالله رَضِيَ اللهُ عَنْهما أنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قِبَلَ نَجْدٍ، فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قَفَلَ مَعَهُ، فَأدْرَكَتْهُمُ القَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ العِضَاهِ، فَنَزَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي العِضَاهِ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، وَنَزَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم تَحْتَ سَمُرَةٍ فَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ. قال جَابِرٌ: فَنِمْنَا نَوْمَةً، ثُمَّ إِذَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَدْعُونَا فَجِئْنَاهُ، فَإِذَا عِنْدَهُ أعْرَابِيٌّ جَالِسٌ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ سَيْفِي وَأنَا نَائِمٌ، فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ فِي يَدِهِ صَلْتاً، فَقَالَ لِي: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قُلْتُ: اللهُ، فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ». ثُمَّ لَمْ يُعَاقِبْهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم. متفق عليه.
فقوة يقين الرسول صلى الله عليه وسلم على ربه منعت الأعرابي أن ينال الرسول صلى الله عليه وسلم بشر، وقوة الرحمة للأعرابي من رسول الله صلى الله عليه وسلم سَلِمَ بسببها من القتل، وكانت سبباً لهدايته وهداية قومه.

.نية الداعي إلى الله:

هذا الدين رحمة للعالمين، وأجر كل داع إليه بحسب سعة نيته، وقد قام صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى الله وعبادة الله، مبتدئاً بنفسه، ثم أهله، ثم عشيرته الأقربين، ثم قومه، ثم أهل مكة وما حولها، ثم العرب قاطبة، ثم الناس كافة، مبيناً أنه رسول الله إلى الناس كافة، وأنه رحمة للعالمين، فدخل الناس في دين الله أفواجاً.
ونية الداعي لها ثمان درجات:
1- أن يبدأ بنفسه.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [6]} [التحريم: 6].
2- ثم يدعو أهله.
قال الله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [132]} [طه:132].
3- ثم يدعو عشيرته الأقربين.
قال الله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [214]} [الشعراء: 214].
4- ثم يدعو قومه إلى الله.
قال الله تعالى: {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ [3]} [السجدة: 3].
5- ثم يدعو أهل بلده وما حولها.
قال الله تعالى: {لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [7]} [الشورى: 7].
6- ثم يدعو العرب قاطبة.
قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [2]} [الجمعة: 2].
7- ثم يدعو الناس كافة.
قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [28]} [سبأ: 28].
8- ثم يدعو العالم كله من الناس، والجن إن حضروا لديه.
1- قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [107]} [الأنبياء: 107].
2- وقال الله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا [1] يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا [2]} [الجن: 1- 2].

.مسؤولية الداعي إلى الله:

أمر الله عز وجل رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بأربعة أشياء:
أن يتعلم الوحي.. وأن يعمل به.. وأن يعلِّمه الناس.. وأن يقيم الناس عليه.
وهذه المسؤوليات انتقلت إلينا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.
فالدين خطوتان، خطوة للعبادة، وخطوة للدعوة، وحركة في إصلاح النفس، وحركة في إصلاح الغير، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
والواجب على المسلم أن يتعلم شيئين:
جهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو الدعوة.. وحياة النبي صلى الله عليه وسلم وهي الدين الكامل.
وإذا كانت الدعوة موجودة في الأمة، وحياة النبي صلى الله عليه وسلم ليست موجودة، فلا يكون في الدعوة فلاح ولا نجاة، ولا تنزل هداية ولا نصر، ولا يحصل تمكين ولا استخلاف، ولا تتحقق عزة ولا أمن.
وقد اجتهد النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه حتى جاء فيهم أمران:
إقامة الدين في حياتهم.. وإقامة الدين في حياة الناس.
فكل مسلم مسؤول سوف يحاسبه الله على العمل الانفرادي، وهو العبادة، وعلى العمل الاجتماعي وهو الدعوة إلى الله، وسوف يسأل الله كلاً من الداعي والمدعو يوم القيامة عما كانوا يعملون في الدنيا.
1- قال الله تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ [6] فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ [7] وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [8] وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ [9]} [الأعراف: 6- 9].
2- وقال الله تعالى: {وَالْعَصْرِ [1] إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ [2] إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [3]} [العصر: 1- 3].

.جهد الداعي إلى الله:

ينقسم جهد الداعي إلى الله إلى قسمين:
الأول: جهد على النفس:
ويكون بحمل النفس على طاعة الله، والاستقامة على العبادة، والطاعة حتى الممات.
قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [69]} [العنكبوت: 69].
الثاني: جهد على الغير، وهو ثلاثة أنواع:
1- جهد على الكافر لعله يهتدي كما قال سبحانه: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ [3]} [السجدة: 3].
2- جهد على العاصي ليكون مطيعاً، وعلى الجاهل ليكون عالماً، وعلى الغافل ليكون ذاكراً، كما قال سبحانه: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [104]} [آل عمران: 104].
3- جهد على الصالح ليكون مصلحاً، وعلى العالم ليكون معلِّماً، وعلى الذاكر ليكون مذكِّراً.
1- قال الله تعالى: {وَالْعَصْرِ [1] إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ [2] إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [3]} [العصر: 1- 3].
2- وقال الله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ [21]} [الغاشية: 21].

.أسباب الهداية:

دخل الناس في الإسلام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم متأثرين بأسباب كثيرة أهمها:
1- حسن الأخلاق:
قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [4]} [القلم: 4].
2- الدعوة باللسان: كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر وخديجة وعلياً وغيرهم رضي الله عنهم فأسلموا.
قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [33]} [فصلت: 33].
3- التعليم: كما أسلم بعض الصحابة في دار الأرقم بمكة، وكما أسلم أسيد بن حضير، وسعد بن معاذ في حلقة التعليم التي أقامها مصعب بن عمير في المدينة.
4- العبادة: كما أسلمت هند بنت عتبة لما رأت المسلمين يصلون عام الفتح في المسجد الحرام.
وكما أسلم ثمامة بن أثال الحنفي رضي الله عنه في المسجد النبوي متأثراً بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وعبادته.
5- البذل والعطاء: كما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح صفوان بن أمية، ومعاوية بن أبي سفيان من الغنائم فأسلموا.
وكما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً غنماً بين جبلين فأسلم، وبإسلامه أسلم قومه.
وغير ذلك من الأسباب التي جعلها الله أسباباً للهداية.

.أفضل الدعاة إلى الله:

القائمون بالدعوة ثلاثة أقسام:
الأول: مِن الناس مَنْ يقوم بالدعوة لأنه تأثر بأخلاق الدعاة إلى الله، وإذا حصل له مشكلة مع أحد الدعاة ترك الدعوة، وعادى الدعاة إلى الله.
فهذا صرفه الله لنقص مقصده.
الثاني: من يقوم بالدعوة لأنه وجد فيها حل مشاكله، وتحقيق رغباته، ولما حسنت أحواله، وزادت دنياه، انشغل بذلك عن الدعوة إلى الله.
فهذا صرفه الله؛ لأنه دخل في الدعوة بمقصد ناقص.
الثالث: من يقوم بالدعوة لأن فيها حسنات وأجوراً، فهو يريد تحصيل الأجور، فمقصده لنفسه فقط.
فهذا إذا وجد الحسنات في غير الدعوة أسهل وأيسر ترك الدعوة إلى الله.
الرابع: من يقوم بالدعوة إلى الله لأنها أَمْر الله الذي أوجبه على كل مسلم.
فهو يقوم بالعبادة لأنها أمر الله، ويقوم بالدعوة لأنها أمر الله.
فهذا مقصده كامل، وبسبب فهمه وكمال نيته يثبته الله ويعينه، ويفرِّغه لهداية البشرية، وتنفيذ أوامر الله، والدعوة إلى الله.
فهذا بأشرف المنازل وأعلاها، وهو خليفة النبي صلى الله عليه وسلم في أمته، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من هذا القسم الذين هم ورثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
1- قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [33]} [فصلت: 33].
2- وقال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [21]} [الأحزاب: 21].

.مراحل دعوة الأنبياء والرسل:

يمر كل داع إلى الله بأربع مراحل هي:
1- فترة الدعوة: وفي هذه المرحلة يقوم الداعي بالدعوة إلى الله بين الناس، ويضحي في سبيل ذلك بنفسه، وماله، ووقته، وشهواته، وأهله، وبلده.
1- قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69].
2- وقال الله تعالى: {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [88] أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [89]} [التوبة: 88- 89].
2- فترة التربية: وفي هذه الفترة يبتلي الله الداعي، ويربيه بما يصلحه، ليمتحن صبره وصدقه، وينشأ عنده الاستعداد لتحمل الشدائد، ورحمة الخلق، والتسليم الكامل للحق، فيبتلى بالخير والشر، والغنى والفقر، والأمن والخوف.
1- قال الله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ [2] وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [3]} [العنكبوت: 2- 3].
2- وقال الله تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [35]} [الأنبياء: 35].
3- وقال الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ [155] الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [156] أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [157]} [البقرة: 155- 157].
3- فترة ظهور النصرة: فإذا صبر الداعي على الابتلاء، وقام بالدعوة مع شدة الأحوال، وقلة المعين، وكثرة المعادين، كان الله معه يؤيده وينصره، ويستجيب دعاءه، ويدافع عنه، ويحفظه، ويخذل أعداءه.
1- قال الله تعالى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [40]} [التوبة: 40].
2- وقال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ [110]} [يوسف: 110].
4- فترة العزة والتمكين: فإذا قام الداعي بالدعوة إلى الله، وقام بعبادة الله، وتحمَّل كل شيء من أجل الله، وبذل ما يملك في سبيل إعلاء كلمة الله.
فهذا إما من الأنبياء والرسل، أو من ورثة الأنبياء والرسل، يمكِّن الله له في الأرض، ويعزه في الدنيا، ويدخله الجنة في الآخرة.
1- قال الله تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [40] الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [41]} [الحج: 40- 41].
2- وقال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [55]} [النور: 55].
3- وقال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [100]} [التوبة: 100].

.سيرة الأنبياء وأتباعهم في الدعوة إلى الله:

1- أعمال الأنبياء، وأخلاق الأنبياء، تؤخذ من سِيَرهم.
فالأنبياء قطعوا المسافات في سبيل الدعوة إلى الله.. واغبرت أقدامهم في سبيل الله.. وبذلوا أنفسهم وأموالهم في سبيل إعلاء كلمة الله.. وعرق جبينهم لإحياء أوامر الله.. وتشققت أقدامهم من أجل نصر دين الله.
لقد ابتُلوا في سبيل إيصال الحق إلى الناس.. وأُوذوا وهاجروا.. وأُخرجوا.. وقاتلوا وقُتلوا.. وزُلزلوا وطُردوا.. وشُتموا وعُيِّروا.. وكُذِّبوا واتُّهِموا.. وضُربوا.. فرحموا وصبروا حتى نصرهم الله، وأهلك أعداءهم.
1- قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ [34]} [الأنعام: 34].
2- وقال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ [110]} [يوسف: 110].
2- والأنبياء، والرسل عليهم الصلاة والسلام كانوا يسيرون في الأرض، يذكرون الله ويعبدونه، ويَحْملون للناس التوحيد والإيمان والأعمال الصالحة، والأخلاق الحسنة.
وكانت أشواقهم إلى رؤية ربهم.. إلى رضوان الله.. إلى قصور الجنة.. إلى نعيم الجنة.
وقد جاهدوا، وصَدَقوا، وبلَّغوا، وصبروا، فرضي الله عنهم ورضوا عنه، وعقباهم الجنة، وهم قدوة كل داع إلى الله عز وجل.
1- قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا [39]} [الأحزاب: 39].
2- وقال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [100]} [التوبة: 100].
3- وقال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [21]} [الأحزاب: 21].
3- جميع الأنبياء والمرسلين دعوا إلى لا إله إلا الله.
فدعوا الناس من الشرك إلى التوحيد.. ومن الكفر إلى الإيمان.. ومن اليقين على المخلوق إلى اليقين على الخالق.. ومن التعلق بالأموال والأشياء إلى الإيمان والأعمال الصالحة.. ومن عادات القبيلة إلى آداب الشريعة.. ومن طاعة النفس والشيطان إلى طاعة الله ورسوله.. ومن دار الفناء إلى دار البقاء.
فهذا عمل الأنبياء والرسل في الدعوة وتعليم الشريعة، فعلينا الاقتداء بهم في إيصال الحق إلى البشرية.
1- قال الله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ [89]} [الأنعام: 89].
2- وقال الله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ [90]} [الأنعام: 90].

.عوائق الداعي إلى الله:

يعرض لكل داع إلى الله عقبات تعوقه، أو تثبطه، أو تقطعه عن سيره إلى الله وإبلاغ دينه، فلابد من معرفتها، ومعرفة علاجها، والحذر منها.
وهي خطوات الشيطان التي يسلكها ليضل الخلق عن الحق، ويصرفهم عن الدين.
1- إذا قام المسلم بالدعوة إلى الله جاءه العدو الألد (اليأس) ففتت من همته، لما يراه من سعة مساحة الكفر والفساد، وكثرة العصاة والطغاة.
وعلاجه بقوله سبحانه: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [17]} [الحديد: 17].
2- ثم يشن حب الظهور هجومه، فيهوي بضرباته على رأس الهمة، فتسقط على الأرض، فيحترق العمل؛ لفقده الإخلاص.
وعلاجه بقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ}[المائدة: 8].
3- ثم يبرز إلى الميدان مفسد الأعمال، وهادم البنيان داء الاستعجال فتنقلب الأعمال على عقبيها، لعدم استوائها، ووضْعها في غير محلها.
وعلاج ذلك بقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [200]} [آل عمران: 200].
4- ثم يتصدى للدعوة الرأي الشخصي المستبد وعدم الشورى، فيبدد الأعمال، ويسبب رَفْع نصرة الله، وتمكين الأعداء من إذلال المسلمين.
وعلاج ذلك بقوله سبحانه: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38].
5- ثم يبرز الفكر في النفس فقط فيهتم بنفسه، ويهمل غيره، فلا يتماسك له بناء، ولا تثمر له شجرة، وإنما خير الناس أنفعهم للناس.
وعلاج ذلك بقوله سبحانه: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [2]} [المائدة: 2].
6- ثم يخرج إلى الساحة عدو آخر ماكر وهو التقليد فيجد الفرصة سانحة لتقليد الكسالى والقاعدين، وبه يقصم ظهر الهمة، فيكثر القاعدون، ويزيد الجهل، وتنبت البدع، وتختفي السنن.
وعلاجه بقوله سبحانه: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [41]} [التوبة: 41].
7- ثم يلوح العدو الغدار وهو التسويف الناجم عن العجز والكسل، فيؤجل الأعمال الصالحة من اليوم إلى الغد، ثم ينسيه الشيطان إياها، ثم يشغله بضدها.
وعلاج ذلك بقوله سبحانه: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [133]} [آل عمران: 133].
8- ثم يدخل الساحة العدو الملحد وهو التدخل فيما هو موكول أمره إلى الله فيتهدم البنيان، ويسقط الأعلى على الأسفل، ويتأمر العبد على سيده.
وعلاج ذلك بقوله سبحانه: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ [15]} [الشورى: 15].
9- ثم يقبل داء حب الراحة الذي هو أم المصائب، وسوق الخسائر.
وعلاجه بقوله سبحانه: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [39] وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى [40] ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى [41]} [النجم: 39- 41].
10- ثم يبرز داء الكبر والاستغناء، وبه يطرد الإنسان نفسه من الدين، ويغشى الكبائر المهلكة.
وعلاجه بقوله سبحانه: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [16]} [الحديد: 16].